أخبار مهمةعاجلمقالات وأراء

الزواج العرفي لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح

متابعة: د.أحمد رمضان

 

الزواج العرفي
الحمد لله رب العالمين يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً “( النساء/1).
واشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا وأستاذنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه القائل :”لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل “(البيهقي و الطبراني في الكبير) .
اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى آلك وصحبك وسلم ..
أما بعد
فيا جماعة الإسلام :
يقول الله تعالي:”وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “(الروم /21).
أخوة الإيمان والإسلام :
بين لنا المولى عز وجل أن من آلائه ونعمه وعظيم آياته علينا أن جعل لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة ، فدعي الله عز وجل إلى الزواج الشرعي وحرم ما دون ذلك من زواج عرفي أو زواج متعة وغيره .
ونحن اليوم بصدد الحديث عن نوع من الزواج المحرم ” الزواج العرفي ” وهو جريمة وسرقة واغتصاب … الخ.
وقد ذكرت إحدى الدراسات التي أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالتعاون مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية، أن إجمالي عدد حالات الزواج العرفي في مصر وصلت إلى 400 ألف حالةسنوياً. من بينهم 62 ألف حالة بين المراهقين تحت سن الـ 18 عاماً. وأضافت الدراسة أن هناك أكثر من 75 ألف قضية نسب لإثبات بنوة المواليد من زواج عرفي. في المحاكم المصرية، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وعلى رغم ذلك، فإن تلك الأرقام الرسمية الصادرة في العام 2014 هي أرقام أقل من تلك الإحصائيات التي نشرت في أعوام سابقة. ففي العام 2010 ذكرت تقارير صادرة عن منظمات مجتمع مدني أن هناك قرابة المليون حالة زواج عرفي في مصر، فيما أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي عن 552 ألف حالة بين طلبة الجامعات. وكشفت دراسة أخرى أعدها المجلس القومي للسكان والجامعة الأميركية بالقاهرة عن أن عدد حالات الزواج العرفي في مصر يتجاوز 400 ألف حالة سنويا.
والزواج العرفي :
هو اتفاق خاص بين شاب وفتاه أو رجل وامرأة بصورة سرية قد يكتبان ورقة بذلك فيما بينهم وقد لا يكتبان دون علم الأهل والأقارب ، وقد يستأجران شاهدين أو لا يفعلان ثم تمض حياتهما في هذا الإطار السري البغيض والبناء الهش الذي سرعان ما يتدهور أمام أول مشكلة فيفترقان وتضيع كل الحقوق الشرعية بينهما لذلك سمي زواجاً عرفياً وفي اغلب الحيان يسمي سرياً.
حكمه الشرعي :
الزواج العرفي باطل وحرام وفاعلة آثم ومرتكب للفواحش والكبائر وذلك من عدة وجوه :
أولاً : مقاصد الزواج :
فالزواج الشرعي مقاصدة جليلة وعديدة أهمها إقامة حياة زوجية آمنة ومطمئنة تقوم على المودة والرحمة والسكن وإنجاب الأولاد قال تعالى :”وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ” (النحل/72). فأين المقاصد من الزواج العرفي ؟ فليس فيه سكينة ولا مودة ولا رحمة ولا أبناء سوى إشباع الغريزة الجنسية بصورة أشبه بالزنا والسرقة والاغتصاب فيلتقيان في خفية أو ظلام يتوجسان خيفة من أي حركة ويرتعدان من أي ضوضاء إذا حركت الريح الباب ظنا أن هناك طالباً لأنهما يحسان أنهما يرتكبان جريمة .
ثانياً : من جهة الشروط :
#الزواج العرفي لا تتوفر فيه شروط وأركان الزواج الشرعي وهذه تتمثل في الآتي : ” الإيجاب والقبول – العقدة – الولي – الشاهدان – الإشهار “.
#الولي لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: “لا نكاح إلا بأربع ولي وزوج وشاهدي عدل “(البيهقي). فالولي في الزواج العرفي لا يكون موجوداً والرسول صلي الله عليه وسلم يقول :” لا زواج إلا بولي ” (البيهقي) والولي هو والد الزوجة إن لم يوجد فأخوها أو عمها وروى الإمام أحمد وأبوا داود بسندهما عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :” أيما امرأة نكحت نفسها من غير إذن وليها فنكاحها باطل”(أحمد ).
كما استدل الفقهاء بقول الله عز وجل :” فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا”( الأحزاب /37).فعلى الرغم من أن المتزوج هو رسول الله صلي الله عليه وسلم من زينب بنت جحش لكن الذي تولى زواجها هو الله عز وجل لذلك كانت السيدة زينب بنت جحش تتباهى بذلك أمام أمهات المؤمنين وتقول لهن ما من واحدة منكن إلا وزوجها أبوها أو أخوها أما أنا فقد زوجني ربي من فوق سبع سماوات ” فأين الولي في الزواج العرفي ؟
#الإيجاب والقبول: ويكون بين ولي الزوجة والزوج وإذا حدث قبول بين الرجل والمرأة يكون قبول نزوة وشهوة ساقطة.
#الشهود : أين الشهود لابد أن يكون الشاهدين على قدر كبير من الثقة والعدل لقوله  ” لا زواج إلا بولي مرشد وشاهدي عدل “(البيهقي)
أما شهود العقد العرفي إما من الشارع بالأجر وإما من طلبة جامعة أو مدارس وإما شاهدين منت مكتب محامي لا ينطبق عليهما قول رسول الله  ” شاهدي عدل ” فبلا شك أن الشهود في الزواج العرفي مفقودون لأنه لم يتوافر فيهما شروط الشهادة فيكون الزواج العرفي باطل وغير صحيح.
#الإعلان والإشهار :
أين الإشهار إذ لابد من إشهار هذا الزواج وهو شرط وجوب لقول الرسول صلي الله عليه وسلم :” فصل بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح “(الترمذي) وقال صلي الله عليه وسلم : ” أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه الدفوف”(أحمد والترمذي ).
وعن عائشة أنها زوجت يتيمة رجلاً من الأنصار فكانت عائشة ممن أهداها إلى زوجها قالت فلما رجعنا قال لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم” ما قلتم يا عائشة : قالت سلمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا فقال : إن الأنصار قوم فيهم غزل ألا قلتم يا عائشة : أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم “(ابن ماجة) .
واعتبر الإمام مالك الإشهار واجباً بحيث لو لم يوجد فالنكاح باطل والإشهار لم يوجد في الزواج العرفي وبناء عليه فالزواج العرفي باطل حيث لا ولي ولا شهود ولا إعلان أو إشهار فماذا يبقى فيه من أسباب الصحة نطلق حتى عليه كلمة زواج .
أخوة الإيمان والإسلام :
#الزواج العرفي مجموعة من كبائر الإثم والفواحش وهو تحطيم لكل القيم الإسلامية ومكارم الأخلاق والرسول صلي الله عليه وسلم يقول :” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” والزواج العرفي بعيد كل البعد عن الأخلاق والمبادئ.
بعد أن ثبت بطلانه يكون زنا والزنا من أكبر الفواحش قال تعالى :”وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً “(الإسراء /32). وقال  صلي الله عليه وسلم :” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن “(البخاري) .
وهو عقوق للوالدين لأنه خروج عن رغبتهما ونكران لحقهما وانتهاك لحرماتهما فكل من الأب والأم قدما لابنهما وابنتهما ثمرة جهده كي يراها في سعادة وهناء ويفرحا بهما فإذا بهما يحطمون آمالهما وفي هذا عقوق لهما ألا يمكن أن يصيب ذلك الخبر الوالدين بالسكتة القلبية أو الشلل .
والزواج العرفي كذب وافتراء ومدعاة للظن السيئ لأن الإسلام دين الصدق والوضوح والصراحة والإعلان والزواج العرفي كذب .
#الزواج العرفي خيانة للأمانة :
لأن العرض أمانة ومسئولية وشرف يتعلق بالبنت والولد والأسرة كلها والمحافظة على العرض والشرف ضرورة ملحة ، والزواج العرفي يضرب بكل هذا عرض الحائط فلا البنت تعبأ بعرضها ولا شرف أهلها ولا الولد يراعي ذلك وهذه خيانة والخيانة صفة المنافقين .. وأي خيانة أكبر من تدنيس الشرف والعرض والخروج عن القيم والمبادئ وهذه كبيرة أخرى.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أما بعدفيا جماعة الإسلام :
#الزواج العرفي معصية لأولي الأمر وخروج عن طاعتهم الواجبة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ”( النساء /59). وما دام أولي الأمر قد أمر بوثيقة الزواج حرصاً على الحقوق وحماية لجميع الأطراف وصيانة للذمم التي دب الخراب إلى كثير منها فكيف يجرؤ واحد على الخروج على ولي الأمر؟ فهو بذلك عاص لولي الأمر وفي معصيته معصية لله ورسوله .
#الزواج العرفي اختلاط للأنساب : فإذا نتج عن هذه العلاقة الآثمة أبناء أو بنات ثم التقى هؤلاء الأبناء والبنات بأخواتهم من الأب العرفي وهم لا يعلمون فيتزوجون بعضهم بعضاً وهو لا يدري أليس في هذا اختلاط للأنساب وهذه كبيرة أخرى.
#الزواج العرفي ضياع للحقوق : فأين ميراث هؤلاء الأبناء والبنات من هذا الأب العرفي صاحب الثروة الطائلة مثلاُ ؟ الزواج العرفي إثم فهذا الذي يتخفى تحت ستار الزواج ويتسلل ليلتقي بامرأة أما سأل نفسه أنه إثم فالرسول صلي الله عليه وسلم قال للرجل الذي جاء يسأل عن البر والإثم وهو وابصة بن معبد – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال له: “(جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ. فَقَالَ نَعَمْ. فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ”(أحمد). .
أخوة الإسلام :#من هنا نعلم أن الزواج العرفي جريمة من الجرائم ومجموعة من الكبائر فكيف يجرؤ عليه مسلم عاقل ؟ وكيف تستقيم العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة خرج كل منهما على حقوق الوالدين وارتكب كل منهما في حقهما إثماً لن يكون بينهما إلا القطيعة والتبرؤ وتلك كبيرة أخرى نعوذ بالله منها .
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »